مجتمع

مستوصف “مدام شابو” … لمن الديار كأنها لم تحلل !!!

مررت هذا الصباح خلف مدرسة المارشي سنطرال، راعني منظر منزل مهجور مغلق بابه ونوافذه بإحكام بواسطة ” الآجور” .

ترجلت من السيارة واقتربت منه وكنت لحظتها خائفا وجلا، هو حتما ذلك الخوف الذي كان يتملكني وأنا طفل صغير لا يتجاوز عمره 10 سنوات.
عادت بي مخيلتي إلى ستينات القرن الماضي ، عندما كنا أطفالا صغارا ، كان هذا المنزل يخيفنا خوفا شديدا ، قلت مع نفسي حتى ولو أقفلتموه بالإسمنت والآجور ، تتمرد عليكم الذكريات التي بداخله تمردا عجيبا.
فهذه البناية المهجورة التي في الصورة ، هي المستوصف التاريخي ” مدام شابو” ، وحده الذي كان يشكل إلى جانب مستوصف سيدي يحيى ، أهم ركائز منظومة صحية رغم هشاشتها في ذلك الوقت ، كانت تقاوم بشراسة تحالف أمراض وأوبئة خطيرة ، عاشها مغرب ما بعد الاستقلال والتي كانت امتدادا تاريخيا لمجموعة من الجوائح التي خلفت خسائر بشرية جسيمة، بلغت حد الدفن الجماعي وضمنها الطاعون والتيفوس والسل .
وقفت أمام هذا المستوصف وكم أثر في منظر أسترجعه بكل الرحمة الممكنة ، لأمهاتنا في طابور طويل يبدأ منذ الساعات الأولى للصباح ، من أجل تمنيعنا بالجلبة ضد السرطان بوحمرون والجذري و السل والكزاز، وتذكرت صراخنا يملأ المكان ويصل صداه إلى المنازل المجاورة .
وتذكرت وما أكثر ما تذكرت .. تذكرت أجسامنا النحيفة وهي ترتجف من وطأة إبر كبيرة الحجم ، وهي تتوغل فيها غير آبهة بذلك التوسل الطفولي البريء ، الذي لا تسكته سوى وجبة كانت تقدم لنا مكونة من الأرز والجزر والبورو.
في صباح هذا اليوم لم أجد وجوها كنا ألفناها متفانية تقدم العلاج ، ضمنها ممرضون أذكر منهم ” امحيمد ” ذاك الممرض الذي كان يتحدث بإيقاع سريع ، والحاج دريدو وزوجته الزوهرة وآخرين شاء الله أن تكتب لهم اليوم الرحمة أمواتا وأحياء.
وأنا أمام هذا المستوصف التاريخي بكل المقاييس الذي كان يحمل ” مستوصف ابن المهاجر ” والذي حول الآن قبالة فندق الأندلس ، قلت مع نفسي نحن وآباؤنا وأجدادنا الجيل الذي كان في الصفوف الأمامية ، قاومنا الجوائح بالعاطي الله واستمراريتنا إلى الآن هي فضل كبير من الله ، لأننا الجيل الذي عاصر المدارس العمومية كل أربعاء وهي في حرب مفتوحة ضد القمل بواسطة رش كل التلاميذ بدواء ” العفريت ” بواسطة آلة رش المبيدات الفلاحية ، ولأننا جيل البومادا الصفراء المقاومة للرمد وذات الاستعمالات المتعددة .
لذلك الجيل المقاوم… تسلموا أحبائي

الاستاذ عبد الله غيتومي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى